السعادة الدائمة: دراسة في علم النفس الإيجابي و الاجتماعي
فرصتك لفهم علم النفس الإيجابي وعلم النفس الاجتماعي، بشكل عميق. كيف تغذي الإيجابيّة عقلك وجسدك، وكيف يستطيع علم النفس الاجتماعي تقوية جودة حياتك الشخصية والاجتماعية

نعاني جميعا في حياتنا اليومية من مشاكل تسبب لنا كثرة التفكير والشعور بالضيق والسلبية، وقد تؤدي لحدوث مشاكل نفسية نتيجة التعرض للإحباطات المستمر، لذلك جاء علم النفس بفرعين جديدين، هما علم النفس الايجابي وعلم النفس الاجتماعي، والهدف منهما هو تحسين حياة الشخص وجعله سعيدًا عاطفيًا واجتماعيًا ونفسيًا، في هذا المقال سوف تتعرف على أهم جوانب وأركان علم النفس الإيجابي وعلم النفس الاجتماعي والكثير عنهما.
ما هو مفهوم وأركان علم النفس الإيجابي وعلم النفس الاجتماعي؟
مفهوم علم النفس الإيجابي:
هو فرع من فروع علم النفس يركز على الأشياء التي تجعل حياة الشخص سعيدة ومميزة، مثل النجاح والشغف والطموح والامتنان وصناعة الأحلام والتخطيط للمستقبل بتفاؤل وأمل، هذا العلم يهدف إلى جعل حياة الأفراد لها معنى وغرض وبدلًا من دراسة الأمراض النفسية والمشاعر السلبية ندرس الجوانب الإيجابية لحياة الفرد وكيف يمكنه أن يعيش حياة سعيدة ويحل مشاكله ويتعامل معها دون تعقيد.
أركان علم النفس الإيجابي:
يضع د. مارتن سيلجمان أحد أهم مؤسسي علم النفس الإجتماعي نموذج (Perma) لتلخيص أركان وجوانب علم النفس الإيجابي، وهي كلمة اختصار لخمس مفاهيم وهما:
الإيجابية (Positive Emotion):
هي القدرة على الشعور بالإيجابية، ليس مجرد كلام فحسب بل هو التعامل مع الأشياء من حولك بشكل إيجابي ورؤية الماضي والحاضر والمستقبل بنظرة راضية.
التفاعل (Engagement):
هو أحد المشاعر التي تعطيك إحساس بمعنى وقيمة ما تفعله، وهو القدرة على العمل بعمق وأداء الأنشطة وأنت مستغرق فيما تفعله، فيعطيك شعور بالسعادة والرضا والإطمئنان.
العلاقات (Relationships):
عندما تكون علاقات جديدة صحية ومتناسقة مع أصدقاء جدد أو زملاء العمل والجيران، يٌحسن ذلك من صحتك النفسية ويجعلك تشعر أنك محبوب ومرغوب.
المعنى(Meaning):
لابد أن يبحث كلًا منا على هدف لحياته يسعى لأجله ويجعله مستعد للعمل والتجربة للشعور بذاته ويعطينا شعور بالإنجاز والرضا.
الإنجاز (Accomplishment):
يتعلق هذا الركن بتحقيق الأهداف والطموحات الشخصية، ويشمل النجاح والإنجازات التي يحققها الفرد في حياته، والتي تسهم في شعوره بالرضا والفخر.
مفهوم علم النفس الاجتماعي:
هو فرع آخر من فروع علم النفس يهتم بدراسة كيفية تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض وكيف يتأثرون بالأشخاص حولهم، حيث يعرفنا كيف يؤثر الناس حولنا على أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا ونظرتنا للأمور.
فيما يدرس الباحثون في هذا المجال كيف يمكن للعوامل الاجتماعية أن تؤثر على الطريقة التي نفكر ونشعر ونتصرف بها في مختلف المواقف الحياتية.
أركان علم النفس الإجتماعي:
التأثير الاجتماعي:
عبارة عن الطرق التي يؤثر بها الأشخاص المحيطين على سلوك الفرد وقراراته، ويتضمن هذا موضوعات مثل سيكولوجية الإقناع وضغط الأقارب والتوافق والطاعة.
الإدراك الاجتماعي:
الذي يهتم بكيفية تشكيل الأفراد لانطباعاتهم وأحكامهم عن الآخرين، ويشمل هذا الركن موضوعات مثل الصور النمطية والتحيز وكيفية تأثير الخبرات الأولية والجديدة على هذه الانطباعات.
الهوية الذاتية والاجتماعية:
يتناول هذا الجانب كيفية فهم الناس لأنفسهم وكيف نتعامل على أساسها مع علاقاتنا الإجتماعية.
العلاقات الشخصية:
يدرس كيفية تطور العلاقات الإنسانية وتأثيرها على الأفراد، حيث يغطي هذا الجانب أشكال العلاقات المختلفة مثل الصداقة، العلاقات العاطفية، والعلاقات الأسرية.
علم النفس الإيجابي وعلم النفس الاجتماعي: المقدمة والأهمية
النقطة المشتركة بين علم النفس الإيجابي وعلم النفس الإجتماعي هي وضع قدر من الأهمية لعلاقاتك بالآخرين وكيف تجعلها علاقة ناجحة وقوية، وفيما يلي أهمية علم النفس الإيجابي:
إلقاء الضوء على مواضع قوة شخصيتك:
الإنسان لديه من نقاط القوة ما يساوي بل ويزيد عن نقاط الضعف، لذلك يهتم علم النفس الإيجابي بإظهار مواضع القوة والتركيز على تطويرها، وبالطبع سوف يساعد هذا على تحسين المهارات الفردية وزيادة الثقة بالنفس.
تحسين العلاقات:
المزاج الجيد ينعكس بشكل كبير على علاقتك بمن حولك، لذلك نجد لدى الأشخاص الإيجابيين علاقات أفضل مع الأصدقاء والعائلة.
وعلى هذا نرى أهمية علم النفس الإيجابي في تحسين تواصل الأفراد وشرح كيفية التعاون فيما بينهما لتحقيق مفهوم العمل الجماعي وتحقيق التواصل المثمر من خلال لغة الألفاظ ولغة الجسد معًا.
التأثير على بيئة العمل:
يمكن أن يكون لعلم النفس الإيجابي دور في مكان العمل إذ يوجه الأفراد ليكونوا أكبر إبداعًا وإنتاجية، حيث يبدأ الأمر بتعزيز الرضا عن الوظيفة ومواجهة التوتر وتطوير المرونة في التعامل مع المشكلات والنظر إلى الأزمة على أنها وسيلة للتطور في المسار الوظيفي وليست عقدة سلبية.
يحسن الصحة البدنية والعقلية:
التفكير الإيجابي يعود على الصحة البدنية بالنفع وذلك لأنه يثمر في تقليل التوتر وتعزيز المناعة والقدرة على التعافي من الأمراض بسرعة أكبر، كما يبعد الأفكار السلبية التي تزيد من حدة الاكتئاب والقلق مما يجعل التعامل مع الأزمات أكثر حكمة وفعالية.
على الجانب الآخر يهتم علم النفس الإجتماعي بالفرد باعتباره جزء من جماعة، حيث يركز على مدى تأثير الآخرين على مشاعر وسلوكيات الفرد وأفكاره، بمعنى أنه يدرس كل طرق المعاملات التي تحدث بين شخصين أو أكثر، وتكمن أهميته في:
- التعرف على دوافع العديد من الظواهر الاجتماعية مثل العنف والتعصب الكروي وما إلى ذلك.
- دراسة العلاقات الاجتماعية في بيئة العمل ومناقشة كيف يمكن إنجاز الأعمال بشكل أفضل من خلال تعزيز الصحة النفسية للعاملين.
- فهم سلوك الطلاب والتعرف على كيفية استخدام التفاعل الاجتماعي في الفصول على هيئة العمل الجماعي أو المنافسة.
- ينطلق علم النفس الاجتماعي من الأفراد لكنه يتوجه بشكل منطقي لفهم الأزمات والمشكلات الدولية والعمل على حلها.
- بل يمكنه أيضًا إنجاز خطوة استباقية من خلال التنبؤ ببعض المشكلات السياسية والاقتصادية مما يساعد على سرعة حلها.
قوة علم النفس الإيجابي في تطوير طاقتك الإيجابية وحيويتك
يمكن القول بأن هدف علم النفس الإيجابي هو أن تكون راضيًا بشكل أكبر عن حياتك، نحن لا نتحدث هنا عن البقاء سعداء طوال الوقت، وإنما نشير إلى الوصول إلى مرحلة الرضا وإضافة معنى آخر للحياة.
كما أن علم النفس الإيجابي لا يتجاهل المواقف السلبية التي تتعرض لها، ولكنه يعمل على تغيير نظرتك لهذه المواقف الصعبة ويعلمك كيف تتفاعل معها.
يستمد هذا العلم قوته من نظرياته الأساسية التي يذكرها كريستوفر بيترسون أحد علماء علم النفس البارزين وهي كما يلي:
- الأصل أن يكون الناس: سعداء، مرنون، متقبلين لتعلم الحياة الجيدة.
- هناك عوازل أساسية ضد الانتكاسات والخيبات وهي نقاط القوة في الإنسان وعلاقته الاجتماعية وقدرته على تحقيق السعادة.
- تكمن أهمية العمل في قدرته على إضفاء معنى للحياة ككل.
- الناس من حولك مهمون ولا يمكن تجاهل تعزيز علاقتك بهم بالقدر المناسب.
- المال يمكن أن يشترى جزء من السعادة إذا اقتسمته مع الآخرين.
- الأزمات مقياس حقيقي لكشف قوة الشخصية.
- العواطف والمشاعر لا تقل أهمية عن التفكير العقلي النقدي.
ما هو تأثير علم النفس الاجتماعي في الحياة اليومية؟ وكيف يمكن للإيجابية تغيير حياتك؟
لن نبالغ إذا قلنا أن علم النفس الاجتماعي لا يؤثر على الحياة اليومية بشكل عام وإنما يؤثر على كل خطوة وحكم بل على جميع أفكارك، وفيما يلي توضيح لكيفية تأثير علم النفس الاجتماعي على الحياة اليومية:
- يؤثر على عمل العقل من خلال الخبرة الأكاديمية ووسائل الإعلام التي لها دور كبير في السلوك المجتمعي.
- يؤثر على موقف الإنسان ونظرته للأشياء وقراراته حولها، حيث يمكن تغيير حياتك من خلال تعديل موقفك وتفكيرك تجاه حدث ما من خلال 3 مكونات أساسية: العاطفة والسلوك والمعرفة، إذ تساهم هذه المكونات في تحديد كيف نشعر ونتصرف ونفهم ما يحدث من حولنا؟
- الهوية الشخصية والاجتماعية تتأثر أيضًا حيث تحدد أفكارك الذاتية نوعية الأشخاص الذين ترغب في التفاعل معهم من حولك.
- العدوان والعنف في المجتمع يؤثر على الحياة اليومية للأفراد فيه حتى ولو لم يكونوا من الأطراف المشاركة، العدوان على غزة -فرج الله كربها- هو مثال صارخ جدًا على هذا التأثير.
- يتأثر السلوك الإيجابي للأفراد أيضا من خلال الانخراط مع الزملاء خاصة أولئك الذين يعانون من المشكلات، حيث يميل الإنسان السوي إلى محاولة مساعدتهم وربما تقديم الخدمات التطوعية لهم.
- على الجانب الآخر تساهم سلوكيات التمييز والتحيز إلى خلق مشاعر الكراهية تجاه مجموعة ما في المجتمع والتي لها سمات مختلفة عن الفرد، وهذه صورة من صور التأثير السلبي التي يعمل علم النفس الاجتماعي على تحديد أسبابها وآثارها ومحاولة معالجتها.
هذه الأمثلة توضح أن علم النفس الاجتماعي له باع طويل في التأثير على الحياة اليومية من جوانب مختلفة بداية من التفكير الداخلي للفرد وحتى طريقته في التفاعل مع الأشخاص من حوله مما يحدد الكثير حول سمات شخصية الفرد وهويته.
من جهة أخرى، تعتمد دراسات علم النفس الإيجابي على 3 محاور: المستوى الذاتي والمستوى الفردي ومستوى المجموعة، إذ تهدف أولا إلى ضبط مشاعرك الخاصة مثل التفاؤل والرفاهية وتوضيح أثرها في حياتك اليومية.
ثم تركز على العديد من الفضائل التي تنشئ إنسانًا صالحًا مثل فضيلة الشجاعة والكرم والتسامح، بعد ذلك تنخرط النظريات في تأسيس الفضائل التي تدعم العلاقات الاجتماعية مثل الالتزام بالمسئولية المجتمعية وتعلم الإيثار.
وإذا انتقلنا للحديث عن الحياة الشخصية فسوف نرى العديد من التطبيقات الواقعية لعلم النفس الإيجابي في جوانب شتى تبدأ من مواجهة القلق وتحسين فاعلية العلاجات، وحتى تعزيز الدعم الذاتي والسيطرة على المعوقات التي تظهر في الحياة وأماكن العمل، وانتهاءً بالتعلم وتحقيق النجاح.
تكمن أهمية علم النفس الاجتماعي في دراسة العلاقة بين الصحة النفسية للأفراد وسلوكياتهم ضمن التنظيم، وغالبًا ما يتم استخدام نتائج هذه الدراسات في ممارسات التوظيف سواء من حيث تقييم علاقة الموظفين بالمؤسسة أو تدريب الموظفين القدامى والجدد على الأعمال.
تظهر الحاجة إلى دور علم النفس الاجتماعي في السلوك التنظيمي عند اختيار الموظفين الجدد، حيث يقوم فريق الموارد البشرية بعقد التقييمات التي تشمل الاختبارات ونوعيات معينة من الأسئلة بناء على ظروف بيئة العمل وأهداف المؤسسة بشكل خاص، وعلى ذلك تخرج بعض التوصيات التي يجب وضعها في الاعتبار عند اختيار الموظفين للوظائف المحددة.
الأمر لا يتوقف على ذلك فقط، بل يساهم علم النفس الاجتماعي بدور آخر في السلوك التنظيمي وذلك من خلال تطوير التقييمات للموظفين الحاليين، وغالبًا ما تدور هذه التقييمات حول كيفية تأثير صحتهم الجسدية والعقلية على أداء المهام الوظيفية.
وعلى هذا يمكن القول أن علم النفس الاجتماعي يعتبر أداة فعالة لقياس مدى صلاحية الموظفين للترقية أو إعادة توزيع المهام أو حتى نقلهم إلى أقسام أخرى.
وفي النهاية أصبحنا نرى جليًا كيف يمكن لعلم النفس الإيجابي وعلم النفس الاجتماعي التأثير على حياتنا بدءًا من أفكارنا التي تتأثر بالمجتمع وتؤثر فيه، وانتهاءً بطريقة تعاملنا مع المواقف من حولنا بطريقة إيجابية قد تساهم في تغيير حياتنا ككل.